طب السندوتشات في السودان

News Feeder
Member
Member
Posts: 32
Joined: 19 Feb 2010, 11:51
University & College: SudaMediCa
Country & City: Khartoum
Graduation Year: 1956
Post-Graduation: Specialized in Serving Sudanese People
Job Title (other): Neews Feeder
Work Place: SudaMediCa
Has thanked: 0
Been thanked: 1 time
Contact:

طب السندوتشات في السودان

Unread post by News Feeder »

بقلم الفاضل حسن عوض الله، جريدة الصحافة

صديقي مختار«خدرجي» بسيط اعتدت أن اشتري منه مؤونة بيتي من الخضار أسبوعياً... فأجاني مختار ذات يوم ونحن نتفاصل في أسعار الطماطم والبامية والملوخية بأن قال «يجب إعادة النظر في كل كليات الطب التي انتشرت كما الفطر في كل مدن السودان»، سألته عن السبب، فأجابني بأن طفله ذا الأربع سنوات تناول بالخطأ جرعة مفرطة من دواء الكحة، مما سبب له حالة إغماء. وهُرع مختار بالطفل إلى أقرب مركز صحي بأمبدة، حيث وجد كوكبة من أطباء الامتياز الجدد، ولدهشته راح هؤلاء الأطباء الصغار يقلبون في بعض المراجع الطبية التي أمامهم لفترة طويلة بحثاً عن العلاج المطلوب دون جدوى، والطفل في حالة إغماء، ولم ينقذهم أو على الأصح ينقذ الطفل من هذه الربكة أو الورطة، إلا اتصالهم الهاتفي بالطبيب الاختصاصي الذي أملى عليهم ما يجب عمله وهكذا تم إنقاذ الطفل.

هذه واحدة.. والثانية عندما كلفني صديق بشراء «تحاميل» له من الصيدلية.. عند الصيدلية وجدت صيدلانية شابة، فاجأتني قائلة بثقة مطلقة إن هذا الدواء لا يُنتج منه «تحاميل» ولكن فقط حبوب ومراهم، فأخبرتها أنني وجدت هذه «التحاميل» في الصيدلية المجاورة لصيدليتها، إلا أنني أشفقت على صديقي المريض حين لاحظت أنها تكاد تكون منتهية الصلاحية، وهو ما دفعني للبحث في صيدليتها المجاورة. وهذه المرة أشفقت على الصيدلانية الشابة من الحرج الأكاديمي، وخرجت لأجرب حظي في صيدلية ثالثة.

هذان النموذجان.. نموذج طبيب الامتياز الشاب والصيدلانية الشابة يجسدان مدى البؤس والتردي الذي حاق بمؤسسات التعليم الطبي في السودان، وفي تقديري إن النموذجين ذاتهما «الطبيب الشاب والصيدلانية الشابة» هما في زمرة الضحايا لمؤسسات تعليمية طبية لا تملك من الطب إلا الكفاف واللافتة التي تعلق على مدخل الكلية.

دراسة الطب أصبحت في هذه الأيام تعتمد على منهج الساندويتشات الطبية.. أي المذكرات التي يختزلها وينسخها الأساتذة وينكب عليها الطلاب دون أن يلقوا نظرة واحدة على المراجع أو الـ text books
لقد كتب صديقنا الأديب والأستاذ الجامعي في مجال الجراحة الدكتور موسى عبد الله حامد في كتابه «سنوات الكلية» عن السنوات الطوال التي أنفقوها في كلية الطب بجامعة الخرطوم وهم يقلبون آلاف الأوراق من المراجع الطبية بحثاً عن الإجابة لسؤال عصيٍّ يلقيه في وجه الطلاب أستاذ قدير وحازم.

آن الأوان أن نعيد النظر في هذا الكم الهائل من كليات الطب التي تخرِّج سنوياً الآلاف من أنصاف الأطباء الذين لا يتجاوز كسبهم الأكاديمي والمهني تلك السندويتشات الطبية..!!
Image

Return to “حلقات النقاش باللغة العربية”